وصلت لولو برفقة والديها المنطقة الريفية الجميلة القريبة من المدينة فوجدتها قد لبست حلتها الخضراء الجميلة كعادتها في فصل الربيع، فراحت تركض فرحة وهي تلامس بساقيها الصغيرتين العشب الأخضر الرطب فتثير من حولها المئات من الحشرات الصغيرة الطائرة منها والنطاطة والتي بدأت بالهروب تاركة الزهور البرية المتناثرة بينها، وقد شكلت بتموجاتها الداكنة لوحة متقنة مليئة بالألوان تشبه تلك التي تغمس ريشتها الصغيرة بها عندما تحب أن ترسم على الأوراق البيضاء في حضانتها التي بدأت ترتادها منذ أول العام.
فجأة وقع نظرها على عينتين كبيرتين تنظران إليها بدهشة واستغراب !. اقتربت لولو منهما متفحصة بفضول... فهي لم تشاهد مثلهما من العيون ملقاة على إحدى الزهور دون رأس أو جسد من قبل !. مدت إصبعها الصغير تحاول أن تتعرف إليهما باللمس أكثر فانطبقتا على بعضيهما البعض ليصبحا عينا واحدة ؟ .قبضت لولو على تلك العين الغريبة المسطحة بإصبعيها الصغيرتين فسمعت من يصيح بها
- أي ...أي ...أنت تؤلمينني ...اتركيني...اتركي جناحي !!!.
استغربت لولو من ذلك الصوت وتركت العين الرقيقة لتتفاجأ بها اثنتين تصفقان وتطيران بعد إن تركتا أثارا تشبه البودرة الناعمة على إصبعيها !؟.
صاحت لولو مستغربة:
-عيون تطير
ضحكت نبتة للورد قريبة منها وقالت:
-فراشة...تلك العيون اسمها فراشة، كانت ضيفتي تتناول من رحيق أزهاري فطورها، لقد أفزعتها...هربت منك ؟.
لولو مستغربة:
-ولكن لها عينتين كبيرتين
نبتة الورد وهي تبتسم:
-أنها عيون وهمية مرسومة على جناحيها الرقيقين تتخفى خلفهما حتى تخيف وتبعد عنها الطيور !.
سألتها لولو:
-تطعمينها لماذا ؟.
نبتة الورد: إنها كغيرها من الفراشات تسدي لي خدمة جليلة !.
لولو: كيف؟.
نبتة الورد: تنقل ما لدي من غبار الطلع إلى زهرات أخرى لتختلط وتلقح... إنها وسيلتنا للملامسة والتزاوج تشبه القبلات عندكم... وهكذا وبعد كل قبلة تنضج بذرة تعطي إذا ما زرعت نبتة وزهرة جديدة.
لولو: وأنت ما اسمك ؟
نبتة الورد: أنا يسمونني الأقحوان، يأخذون مني الدواء والعطور والألوان.
أجابتها لولو وقد لحظت حشرة ملونة تسعى على إحدى أوراقها:
-وهذه تطعمينها أيضا، إنها صغيرة جدا تنزلق انزلاقا لا أرى لها أرجل ؟.
الأقحوان: إنها خنفساء تعرفينها من النقاط السود المبعثرة بانتظام على ظهرها الأملس الأحمر الذي يشبه الدرع، هي تأكل عندي أيضا ولكن من حشرات المن السوداء الصغيرة المتخفية تحت أوراقي،
لولو: ولكن البقع السوداء ولونها الأحمر لا يخيف كيف تتخفى عن أعدائها ؟
الأقحوان: أنها تنذرهم بلونها الصاخب لتقول لهم بأنها لا تصلح للأكل، فان هاجمها عصفور ما انقلبت على ظهرها وتظاهرت بالموت حتى يذهب عنها الخطر . !
أمسكت لولو بإحدى الأوراق تقلبها فوجدت جيش من النمل يرسم خطا طويلا قادما من الأرض نحو عش للمن فاستغربت من ذلك وقالت: والنمل أيضا ؟.
الأقحوان: النمل يا صغيرتي لا أحبه أبدا هو يأتي ليحلب المن ويحمل ما يستخرجه من بطونها من عسل إلى العش ليطعم صغاره... وهو يحميها ويربيها تحت أوراقي ولهذا فهو ليس من أصدقائي !.
لولو: هل تتألمين عندما يقضمون أوراقك ؟
ضحكت الأقحوان منها وقالت:
-نحن النباتات لا نتألم، ليس لنا جهاز عصبي مثلكم لنحس به ولا جهاز للهضم، ! ولكن قد نصاب بالمرض أو نموت من الجوع أو العطش، أو بكل بساطة نختنق من قلة النفس.